ينهي الشاب عندنا، تعليمه الثانوي/ الجامعي، وأول مشروع ضخم يقوم عليه في حياته، هو أو أهله: تعمير بيت الزوجية. تُبذل في ذلك الأموال وتُحرق لاجله الساعات الطِوال في الكدح، لإتمام هذا المشروع "الجبار"، والعائلة كلها،وذلك في أفضل الأحوال طبعاً، مجنَّدة كلها لإتمام تجهيز هذا البيت ، ولا أظن أن بيتاً متواضعاً اليوم يكلف أقل من نصف مليون شيكل (حوالي 130 ألف دولار)، وإذا علمنا أن معدّل ألأجور المتوسط 6000 شيكل (حوالي 1600 دولار) ،فلتحسبوها أنتم، وبحساب رياضي بسيط: اذا انفق العامل كل أجره الشهري في مشروع بناء البيت، فعليه أن يعمل حوالي ثماني سنوات لإتمام مشروعه!!
ولتقليص عدد السنوات هذه، يلجأ الشاب إلى العمل بورديات عمل على مدار الساعة متحمِّلا ظروف عمل قاهرة لا تُطاق، كل هذا من أجل إتمام المشروع "الجبار" . ولا بد من الدخول في ديون فلكية، وتذكروا أن حديثي هذا عن بيت متواضع، فكيف بمن رأى أن لا زواج بدون حجر "قسم" جمّاعين يلف به كل بيته؟ وان لا مجال للتنازل عن بركة السباحة! وكيف له أن يتزوج بدار مساحتها أقل من 300 متر؟ ولو؟ وكيف يمكن الدخول بمشروع الزواج بدون حديقة غنّاءة مع أشجار النخيل ولا تنسوا الحجارة والتي بدورها تعطي للحديقة شكلا مميزاً يشبه تلك الحديقة للخواجة من قيساريا؟ ..."ولقد تعبت كثيراً طوال السنين من فتح الشبابيك يدوياً فلا بد من فتحها اتوماتيكياً!"... وبالله عليك لا تنسى "الجاقوزي" ..."فلقد سئمنا الحمام القديم طوال كل السنين في بيت العزوبية"، والقائمة تطول، فلا بد للظلمة أن تنجلي، فكلنا وفجأة عند تعمير البيت، نشعر أننا أبناء آل الصبّاح ، "وما في حدا أحسن من حدا"!!
ليس حديثي هنا عن قلة العقل والحكمة في عملية بناء البيوت، ولكن ما أريد أن اصل إليه هو أن الأهم لا بل الأكثر أهمية في عملية ألإعداد للزواج، ننساه ونتغافل عنه ونضعه في أدنى سلم أولوياتنا في أحسن الاحوال، وان أُعطي أولوية ما فلا يُنظر إليه بتمعن وتفحص كما كنا يتم إختيار نوع الكراميكا أو نوع "المولتي ديكور" ففي هذا وذاك نفحص وندقق ونسأل في أكثر من مكان ونقارن الأسعار أما في أهم مسألة :إختيار العروس، فالبحث هنا مختلف تماماً، ولو كان بحثاً جاداً فعلاً كان بحثاً مغلوطاً باتجاه خاطئ.
على ما أظن أن هذا البيت-القصر الذي بُني ودُفعت له المبالغ معدٌّ في أغلب الأحوال لتسكنه زوجه واحدة، فوضعنا القائم لا يسمح أن نتزوج بأكثر من زوجة واحدة، فمن هنا نصل أن هي تلك الزيجة الواحدة، هي تلك العلبة المغلقة، علبة الأسرار، فإما السعادة والهناء وإما الشقاء والصبر على حظك التعيس، وبيتك يا مسكين الذي أفقدك إنسانيتك في إعداده، غدوت لا تدخله لأنك لا تطيق تلك الغول او "الاشكيف" المخيف إنها زوجتك التي اخترتها وفق معاييرك "المخربطة"، قد تقول لي أخطب وإن لم تعجبني، أترك في الخطبة وأبحث عن أخرى، أقول لك أنك يا أخي أنت تخاطر! فنظرتك إن لم تتغير، وقد تبدّل أكثر من مخطوبة الى أن تصل في النهاية الى قاعدة " إصبر على منحوسك لا يجيك الي أنحس منه" !!!
البيت مكلف، مكلف جداً ولا بد للعروس أن تكون على "قد المقام"، التي تستحق أن تسكن هذا البيت-القصر، كلام سليم جداً جداً، ففي النظرة "المخربطة" المرأة التي هي "قد المقام" هي :
1. تلك الفتاة الحسناء، ولا أدري إن كانت حسناء كما خلقها ربها، أم حسّنتها أنواع المساحيق و"المكياجات" والعطور؟ أو لربما حسّنتها ملابسها الضيّقة، فسوق الزيجات محموم وهناك تنافس شديد، كيف ولا ورجال اليوم ينظرون إلى المرأة على أنها تحفة جميلة في البيت إلى جانب خزانة المطبخ المصنوعة من خشب البلوط أو خشب الكرز، نعم تحفة جميلة لا أكثر ولا أقل، يريد منها أن تجلس إلى جانبه في سيارته الجديدة ،التي هي أصلا اشتراها من البنك بالديون، ليتباهى بها أمام الناس!! يا ويله من ديوث لا يغار على عرضه، فهمُّه كل همِّه أن يكون له سيارة جميلة، فتاة جميلة ومنزل جميل، و"خلص"!! لا ينظر إليها على أنها أم المستقبل، أم أبناءه، إنها عنده مثل ذاك البرواز المُكْلِف وتلك التحفة الجميلة في غرفة الضيوف، وهو نسي أن حُسن البشرة ونضارتها ستتلاشى مع السنون، والمكياج لن يستطيع أن يغطي يوما ما تجاعيد الوجه، فإن ذهب جمال المرأة بقيت هي على أخلاقها الذميمة، تلك المرأة الأنانية، التي تنكِّد لزوجها عيشته بطلباتها، تلك المرأة العنيدة التي تعانده في كل شيء، تلك المرأة التي قطّعت أواصر علاقته مع إخوانه، الذين ربى معهم سنوات عمره فإذا به يقاطعهم جميعاً لأن زوجته "الدلوعة" تعودت عند أبيها أن تتملك كل شيء وألان كيف لها أن لا تتملك زوجها لنفسها وفقط لنفسها، ولا حق لأحد فيه غيرها وإن كان هؤلاء: أمه أو أبيه أو أخته أو أخيه أو صديقه الحميم!!
2. تلك المرأة المتعلمة العاملة التي تساعد زوجها، ولا يهم أكثر من ذلك، المهم أن يكون أجرها الشهري قد دخل الحساب في البنك، ولا يهم ماذا يحصل مع الأولاد ولا يهم بأي مظهر ستخرج على الناس ولا يهم ظروف عملها وحالة الاستعباد والاسترقاق التي تحياها في العمل عند مدير عملها، لا يهم أن تتزين للناس، لا يهم أن تعود إلى البيت منهكة تعبة خائرة القوى، كل هذا لا يهم، المهم عند الشاب الباحث عن زوجة وفق مصطلحات لطالما كنت اسمعها،على وجه الخصوص، من معاشر الموظفين: " أريد حمموت وبلقِّط". هذا "الحمموت" – الدفيئة، ينتج بدون كثير من التعب و"بلقِّط"، أي أنها صيد ثمين فهي موظفة مثبّته في عملها لها دخل شهري، ويا سلام على "هالتجارة" ما أحلاها!!
طبعاً هذه تجارة باخسة، لأن الشاب لم يبحث عن عروس إنما بحث عن جيب العروس، بحث عن قشرة العروس الخارجية ولم يهمه لبها ولا لبابها (عقلها)، هو أصلا لم يعي أهم ما في الزواج، فالزواج ليس بصفقة تجارية، وليس بمتعة جنسية فقط، وليس بضرورة اجتماعية، إنما الزواج راحة وسكينة وطمأنينة، والاهم من هذا وذاك إنشاء جيل جديد أفضل من الجيل السابق، فالمهم هو اختيار تلك الزوجة الملائمة لتربية الأبناء، فانتم تتفقون معي أن الابن العاق، الفاشل، سيء الأخلاق، يأتي بالخزي والعار لوالديه، فمن منا يبحث عن الخزي ويأتي به بيديه ويجري اليه بقدميه، فاعلم أن أول خطوات هذا الخزي والعار هي اختيارك الخاطئ، أيها الشاب، لزوجتك، أم أبناءك في المستقبل!!
أعود إلى ما قلته آنفاً، البيت مكلف، مكلف جداً ولا بد للعروس أن تكون على "قد المقام"، التي تستحق أن تسكن هذا البيت-القصر، ليست ذات الجمال، ليست ذات الوظيفة أنها ذات الدين والخلق الرفيع، قال صلى الله عليه وسلم : "تُنكح المرأة لأربع، لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"، ذات الدين هي التي باستطاعتها أن تربي لك أبناءك في المستقبل ليجلبوا لك العز والفخار في الدنيا والآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم : " إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب يقول : هل تعرفني ؟ فيقول له : ما أعرفك ، فيقول : أنا صاحبك القرآن ، الذي أظمأتك في الهواجر ، وأسهرت ليلك ، وإن كل تاجر من وراء تجارته ، وإنك اليوم من وراء كل [ تجارة ] ، قال : فيعطى الملك بيمينه ، والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويكسى والداه حلتين ، لا يقوم لهما أهل الدنيا ، فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : يأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال : اقرأ واصعد في [ درج ] الجنة وغرفها ، فهو في صعود ما دام ( يقرأ ) هذا كان أو ترتيلا ". فهل تريد يا اخي تكسى في الاخرة حلتين؟ هذه لعمري تجارة رابحة!!
هناك 6 تعليقات:
بارك الله فيك يا اخي بالله يا ابا يوسف على هذا المقال الذي يجسد واقعنا الذي نعيشه الا من رحم ربي وقدما والى الامام ومرة اخرى بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
وبك بارك الله يا اخي ودمت ذخراً للاسلام والمسلمين...
بارك الله فيك اخي ابو يوسف على هذة المقالات القيمة
وفيك بارك الله يا اخي فراس حيثما كنت...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي وجزاك خيرًا على المقالة، أوافقك كل ما جاء فيها والله المستعان، فجيل المستقبل غاب عن أبناء جيل اليوم، لم يعد هناك قيمة للتفكير بالجيل الذي نريده، رغم المآسي التي نراها اليوم في مجتمعنا إلا أن الأجيال تزداد سوءا مع مرور السنين، من سيء إلى أسوأ والله المستعان.
ربما كان يجدر التطرق أيضًا إلى نقطة أن أحد مصادر الإزعاج للإخوة هم الأهل، إن كان أهله أو أهل الفتاة، فالمباهاة والمشابهة تغطي تفكيرهم، فتلك الأم لا ترضى لابنتها بيتًا متواضعًا ولا أثاثًا يقل عن 100 الف شاقل! والله المستعان
المصيبة الكبرى ان الأهل أنفسهم يشتكون من هذه التكاليف لكن بنفس الوقت لا نراهم يتراجعون عنها، بل يمشون مع "القطيع" ولا نجد من يسير بعكس التيار إلا قلة قليلة من الشباب، فقليلا جدا من يستعد لأن يكون مخالفًا لهذه العادات والتقاليد التافهة والمكلفة.. وللاسف فإنهم ما زالوا يبكون وسيبكون طويلا..
والله المستعان
بارك الله بك يا معملي ودمت ذخرا للامة الاسلامية اجمع..
ما اريد قوله ان ما يحصل اليوم هو نتيجة لقلة التربية الاسلامية المبنية على اسس متينة..وها نحن ندفع ثمن هذه التربية التي قل ما نجد اليوم من تربى على اسس سليمة وقوية..
وبما ان "الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق" وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم"الجنة تحت اقدام الامهات" لا بد وان يقوم البيت المسلم على اسس ثابتة من الاساس..فهي كاساس البيت ان لم يكن ثابت مع مرور الوقت سينهار...نعم ويقع اللوم على الاهل بشكل عام والامهات بشكل خاص..والتي لا ترضى باقل من "قصر" مكنو من طالبقين على الاقل اضافة الى الحديقة المزينة و... . فقد تزوجت قبل شهر جارتهم وبنى زوجها لها قصر رائع فهي لا تريد اقل من ذلك لابنتها وكان المهم هو البيت لا السعادة والحب والتفاهم ال1ي هو بالفعل ما تقوم عليه البيوت المؤمنة...فكم من زوج غارق بالديون بسبب غيرة زوجته من الاخريات وكم زوج حجز على بيته بسبب الديون المتراكمة..طبعا لا يقع اللوم وحده على الام بل على الاب الذي هو يعتقد بدوره انه فقط يعمل ويشتري اي لا يكون له اي دور في التربية وان هذا هو الخطأ بعينه...التربية تقع على عاتق الاهل والاب ايضا له دور كبير ولكن كثيرون هم من اهملوا هذا الدور واستخفوا به..فنرى اليوم شبابنا وا اسفاه جالسون في المقاهي لا شغل لهم ولا شاغل..لا احد يسأل عنهم يسهرون حتى مطلع الفجر..
إرسال تعليق