بسم الله
مرة أخرى ومن جديد، يعود مشروع البعث الإسلامي من حالة الغثائية إلى حالة العز والتمكين، يعود المشروع القهقرى بخطوات إلى الوراء، وذلك على أثر الأحداث الدامية المؤسفة في مسجد ابن تيمية في رفح، فكلما تقدَّم هذا المشروع خطوة واحدة إلى الأمام إذا بروّاده يعودون به إلى الوراء.
إذا نظرنا إلى مشروع البعث الإسلامي في طوره الحديث وقد بدأ منذ أكثر من قرنين من الزمن من لدن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مطلع القرن التاسع عشر، مروراً باجتهادات الشيخ محمد الياس ومن بعده الشيخ حسن البنا ومن بعده الشيخ تقي الدين النبهاني، فجميعهم وبلا استثناء نحسبهم صادقين مخلصين ولا نزكي على الله أحدا، نظروا إلى واقع الأمة الإسلامي التعيس من تيه وضياع وغثائية ووضعوا نُصب أعينهم همّاً واحداً: كيف الخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلت به الأمة الإسلامية ومنذ قرون، وقد طال بها الضياع والتيه؟ كلٌ وفق اجتهاده، وأنا لست هنا بمعرض التفاضل بينهم، ومن أنا ذا حتى أفاضل بينهم.
هذا المشروع إذا نظرنا إليه بمجمله، نراه يتقدم خطوة ومن ثم يعود وينتكس إلى الوراء، وواقع الأمة الذي أشاهده أنا ألان رأيته من خلال مشهدين: الأول من خلال رحلة الحج والثاني من خلال رحلتي الأخيرة إلى عمان.
في رحلة الحج، التي يجتمع فيها ممثلو العالم الإسلامي بملايينهم الخمسة، رأيت العجب العجاب من أخلاق وتصرفات للمسلمين لا توحي أنهم مسلمون لا محبة بينهم لا اخوة تجمعهم لا ايثار بينهم، أتدرون؟.. لقد وضع لنا رسول الله سلماً من واحد إلى ستين او سبعين للإيمان أعلاه لا اله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، وعرفنا من التاريخ أن رسول الله اعلم قومه أن قولوا لا اله إلا الله تملكون بها رقاب العرب والعجم، والواقع الذي شاهدته اننا كممثلون عن الأمة الإسلامية لم نصل بعد إلى مرحلة أن نمتنع عن أن نضع إذانا على الطريق لا أن نميطه فما رأيته خلع قلبي من كميات القاذورات والأوساخ، لا بل كنت أشاهد عائلات تأكل على الأوساخ بكل أريحية وانسجام!! فالطريق نحو تحقيق التوحيد طويل، بعيد، لقد بقي ستون او سبعون درجة .... وان تحقق عندنا التوحيد وبشكل عملي ملَّكنا الله رقاب العباد قال تعالى:"وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً "... اما المشهد الآخر هو ما رأيته في عمان وهي عاصمة من عواصم بلاد المسلمين سكانها تجاوز المليونين نسمة، يعني باقة وجت مع بعضهما ما هما الا شارع من شوارع عمان، لقد رأيت فسقاً وانحلالاً .. تبرج .. سفور.. بيع للخمور بشكل علني وطبيعي.. ترويج للزنا بشكل شبه علني... وهذه عاصمة من عواصم المسلمين... إنني أتخيل ملايين المسلمين بغثائيتهم يناشدون أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبناء البنا وأبناء محمد الياس وأبناء النبهاني، أن أين انتم؟ حرام عليكم هذا التناحر بينكم مدوا ألينا أيديكم انشلونا مما نحن فيه من تيه وضياع ....
تقولون لي ما علاقة هذا بما حدث في غزة؟... اذكر ذات مرة، قبل سنوات طويلة كانت الأحداث في أفغانستان بعد خروج السوفييت منها ملتهبة، وكان مجاهدو الأمس الذين دعونا لهم، إذا بهم اليوم يوجهون بنادقهم الواحد ضد الآخر، والقتلى وجرحى والمشردون بمئات الآلاف، كنت في جلسة مع احد مشايخ باقة الغربية وتداولنا الواقع المحلي الباقاوي والواقع العالمي فسَأَلنا أن كلُ يبدي رأيه، حينها اذكر أني قلت لهم، لا فرق بيننا في باقة وبين أفغانستان في شيء، الفرق الواحد أن بيدهم أسلحة وهنا لا نملك الأسلحة فلو ملكنا الأسلحة هنا في باقة لفعلنا مثلهم، أن وجهنا بنادقنا على صدور بعضنا البعض!!
لو نظرنا اليوم على امتداد العالم الإسلامي وقمت بعملية استبيان لمواقف القائمين العاملين على مشروع البعث الإسلامي بأطيافه المختلفة، لوجدت عجباً، فمن كانت مشاربه اخوانية تجده يبرر لحماس ما فعلت في مسجد ابن تيمية من اقتحام وقتل وما إلى ذلك، ويصوِّب أصبع الاتهام لجماعة السلفية الجهادية، ومن كانت مشاربه سلفية تجده يبرر لجماعة السلفية الجهادية ما فعلوا من اعلان الإمارة الإسلامية ويصوِّب إصبع الاتهام إلى حماس، أما من كانت مشاربه لا اخوانية ولا سلفية فيقف على الحياد ينظر إلى هؤلاء وهؤلاء بنظرة مستخفّة ويتهم الطرفين... ولا احد يقف ليقول أين أخطأنا؟ كلنا .... السنا في مشروع البعث الإسلامي في زورق واحد؟ ألا نسمع كلنا نداءات الاستغاثة من أعماق الضمائر.. المسلمة منها والكافرة التي تستغيث بنا أن أنقذونا من التيه والضياع في دياجير الانحلال والمجون والمادية والعبودية للرأسمالية .... كان من الحري بمن كانت مشاربه اخوانية ان يوجه الاصبع لا إلى الآخرين انما إلى نفسه....ويتساءل .. أين الخطأ؟ ومن كانت مشاربه سلفية ... أن يوجه الإصبع إلى نفسه أيضا .... ويتساءل...أين الخطأ؟ أما المتفرجون... فعليهم أن يضعوا أنفسهم أيضا أمام المحاسبة أين اخطأ هؤلاء وهؤلاء وكيف لنا أن نتعلم منهما فلربما النكسة القادمة التي لا اعلم متى يمكن أن تكون قد تكون من نصيبهم... فمن يدري؟
إذا هناك مشكلة.... هناك دماء سفكت على ثرى غزة... هذه الدماء الزكية الغالية... إنها ليست كيتشوف يوضع على التشيبس أو على البيتسا، إنها دماء لمسلمين... لا بل دماء لموحدين... لا بل دماء لأناس هم من خيرة الناس، هم ممن تصدروا لأن يكونوا من رواد البعث الإسلامي ، والدماء اختلطت، فلا فرق بين دم الحمساوي ودم السلفي، فعندما يُنزلوا إلى باطن الأرض لن يسألهم الملكين أن ابرزوا بطاقة عضويتكم إنما يسألونهم: من ربكما وما دينكما وما تقولون في الرجل المبعوث فيكم؟.... سؤال موحّد للجميع... وهذا الدم المسفوح من سيدفع ديّته .... أرجوك أيها القارئ ... أرجوك.... صوِّب إصبعك ... من فضلك إلى نفسك... إلى من تتعاطف معهم من التيار الذي أنت تنتمي إليه حماس / السلفية الجهادية... وقل "أنا المذنب.. أنا المقصر... نحن المذنبون المقصرون ... التيار القريب مني : حماس/ السلفية الجهادية... هم المذنبون المقصرون..."... حتى لو ملكت ألف ألف دليل على أن خصمك هو الجاني وهو المذنب... توجه إلى نفسك وقل ما هو التقصير البسيـــ......ــط الذي أحدثته والذي كان بإمكاني أن امنع به ولو بالقليل هذا الدم القاني على ثرى غزة... لقد توقف مشروع النهضة والبعث الإسلامي لا بل عاد إلى الوراء ... أتريدون أن نبقى نبرح مكاننا ... نريد التمكين في الأرض ... نريد الرحمة للعالمين.... يا أحبتي العالم بأسره ينتظرنا... لسان حالهم يقول... " حرامٌ عليكم... يا مسلمون... اين انتم؟... بيدكم النور... بيدكم السعادة للبشرية وانتم تتصارعون على كراسي وهمية ورقية رملية؟"
إذا بحثت عن أصل المشكلة فلربما أقدم أطروحةً منمّقة مطوّلة للب مشاكل رواد مشروع البعث الإسلامي ... ولكنني ألخصها بكلمة واحدة: أن لا ثقة بيننا!!... يا أخوتي ... اعلموا أن لا حركة ولا جماعة ولا حزب إسلامي بمفرده يمثل الإسلام.... الإسلام يمثل نفسه... بنفسه... لا تتعب نفسك... كل اجتهد واشتد في جانب من جوانب الإسلام ... فمنهم من اجتهد وتميّز بالعلم والدراسة ومنهم من اجتهد وتميّز بالجهاد ومنهم من اجتهد وتميّز بالدعوة .... ولا احد... صدقوني... لا احد من كل أطياف العمل الإسلامي الذي أسميته مشروع البعث الإسلامي ... قد طاق وأبدع إبداعاً كاملاً في كل هذه الجوانب كلها وبدون استثناء... فلا بد من التكامل بالعمل وليس التفاضل... أنا افضل منك وانت افضل مني... بل ليكمل بعضنا بعضاً...
إن منبع عدم الثقة هذا نابع من مظاهر التعصب والتحزُّب البغيضه للرأي وللشيخ وللجماعة وللحزب وللحركة ... كلٌ يرى في نفسه أنه الأفضل... والآخر ضال منحرف ولوثة فكرية... هذا الواقع في غزة والعراق وأفغانستان وقد أضيفت إليه بهارات السلاح ورائحة البارود، فكانت النتائج دامية، وإذا كنت أيها القارئ غافلاً، فهذا الواقع موجود أيضاً في بلدك وحييك، أينما كنت تقرأ ألان هذه الكلمات المتواضعة... إني اعلم عن احدهم ترك جماعة من الجماعات بعدما كان قيادياً فيها... أتدرون ماذا حصل؟ لقد عاداه أفراد جماعته الأولى لا بل سبُّوه وأعلنوا عليه المقاطعة الاجتماعية والاقتصادية... انه التعصُّب البغيض... إن كنت معنا فأنت الحبيب المقرب وان لم تكن معنا فأنت العدو اللدود وان كنت على الحياد بقينا ننظر إليك نظرة الشك مصحوبة بالأمل .... وإياك إياك أن نجدك مع هؤلاء أو هؤلاء... أليس هذا هو الواقع ... وفئة كبيرة.... سئمت الجميع ... دعونا منكم من حزبياتكم وحركياتكم وصراعاتكم على لا شيء... نريد أن تتركونا بشأننا نصلي وحسب .. نريد أن نعبد الله وحسب ... نريد أن ندعو إلى الله وحسب .... دعونا منكم ... هذا هو ما حدث في رفح .... فئة تكفّر فئة وفئة تضلل فئة وفئة تخاف من فئة وقد بدأ يشتد عودها وبدأ أفراد من جماعتهم يذهبون إلى الفئة الأخرى ليستمعوا لدروسهم وخطبهم... أتعلمون انه في غزة المساجد مصنّفة حسب التوجُّه السياسي... نعم... نعم... مسجد لحماس مسجد لفتح مسجد للجهاد ومسجد للسلفية !! هذا هو واقع الحال... صلاتك في مسجد ما، تعني انك محسوب على الفئة ما... يا لها من عصبية قبلية بغلاف عصري ... عصبية الجماعة والحركة والحزب....
انه الزهو والاعتداد بالنفس ... فعندما يرى الشيخ أو أمير الجماعة أن أتباعه قد كثروا... ازداد زهوه واعتداده بنفسه... حتى أن شيخاً وقد عدّ حوله بضع أفراد مدججين بالكلاشينات وأحزمة الرصاص اذا به يعلن إمارة!!... ورجالٌ بنظرهم أنهم هزموا العدو في الحرب الأخيرة رأوا أن لا مندوحة من سحق وبالحديد والنار المخالف فغلَّبوا لغة القوة والسلاح على لغة الحكمة والتبصر والبصيرة... انه الزهو ... وقد تنحت وتراجعت شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم من التواضع والرحمة جانباً... فقد كان للتاريخ أن لا يعتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة إن هو سحق أهل مكة الذين حاربوه وآذوه طوال تلك السنون كلها، ولكنه صلى الله عليه وسلم، الرجل العظيم .... أبى إلا أن يكون عظيما بحلمه ورحمته فقال جملته المشهورة "اذهبوا فانتم الطلقاء"...
ختاماً، ما أدعو إليه هو وقفة من النفس للمحاسبة لا بد من خلق ثقافة المحاسبة، العصمة دفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل 1400 سنة، لا احد معصوم عن الخطأ ولا أحد منزّه عن المساءلة ولا المحاسبة دمٌ أريق في رفح، جدير أن يقف الجميع وقفة محاسبة ومسائلة الذات: أين الخطأ؟ المسألة ليست متعلقة فقط بالأجيال الحالية إنما لأجيال المستقبل إن نحن قررنا أن نعيش كما ينبغي للمسلمين أن يعيشوا أعلوْن، سادة...وليسوا عبيد عند الأمم الأخرى.. ففي إعقاب حوادث مشابهة في دول وشعوب أخرى تُقام لجان التحقيق والتي تخرج بتوصيات ويُشرع العمل وفقها.... إن عجلة البعث الإسلامي كلما تقدمت خطوة ما تلبث أن تعود خطوات إلى الوراء.. لا بد من الوقوف والتبصُّر والتعلُّم من الأخطاء وتكريس الصواب... فدعونا من العودة كل مرة لنفس السيناريو الذي يعيد نفسه كل بضع سنين في مشهد محزن مخجل محبط مثبِّط...
هناك تعليقان (2):
"انه الزهو والاعتداد بالنفس ... فعندما يرى الشيخ أو أمير الجماعة أن أتباعه قد كثروا... ازداد زهوه واعتداده بنفسه... حتى أن شيخاً وقد عدّ حوله بضع أفراد مدججين بالكلاشينات وأحزمة الرصاص اذا به يعلن إمارة!!... "
صدقت اخي الكريم وهذا ما يفطر القلب , كلنا يبحث عن المجد والعزة عن طريق السلطة والمنصب , ولا ترى احدنا يبحث عنها بتوحيد الصف الاسلامي والالتفاف سوياً لاعلاء راية الدين والنهوض بامة محمد عليه الصلاة والسلام
الشيخ الزغبي يبرأ منهم جميعا:
http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?p=911709#post911709
إرسال تعليق