"مفاقس" الأطفال
تقوم الدجاجة البيتية بجمع عددا من البيض لترقد عليها 21 يوم بالتمام والكمال وبعدها يخرج الصيصان الحلوين لتعتني بهم، تعلمهم الأكل والشرب وتدربهم على مهارات الحياة المختلفة، تعلمهم من العدو ومن الصديق، وآخر النهار ترقد الصيصان تحت كنف الأم لتضفي عليهم من حنانها...
وجاء الإنسان فراقب الدجاجة وتعرف على آلية رقودها على البيض فعرف أنها ترقد فترة محددة هي 21 يوم لا أكثر ولا اقل، وعرف أنها توفر للبيض درجة حرارة محددة، ومستوى رطوبة ثابت، والدجاجة تقوم بتقليب البيض بشكل دوري، فكّر الإنسان الحديث بعقله المادي المبني على المنفعة والمصلحة فأتى ليقلد عملية رقود الدجاجة على البيض حتى فقسها. فبنى جهاز يوفر للبيض دراجة حرارة مناسبة ومستوى رطوبة معين ولا يكفي بل لا بد من تقليب البيض لأن الدجاجة الحقيقية تقوم بذلك، هذا الجهاز هو مفقسة البيض.
عقل الإنسان المادي أرشده أن الدجاجة الواحدة في أكثر الأحوال تستطيع ان ترقد على 21 بيضة، فقال لماذا لا نضاعف عدد الصيصان (دجاج المستقبل)؟ فلحم الدجاج لذيذ، ورخيص مقابل لحوم البقر والغنم ومطلوب فبدل ان ننتج بشكل طبيعي عشرات الصيصان لماذا لا ننتج مئات لا بل آلاف الدجاج بشكل ممكنن؟ وهذا ما حدث يؤخذ البيض من الدجاجة ويُحفظ في مفاقس ليتم إنتاج الصيصان بآلاف، ويتم تربية الصيصان بلا أب ولا أم إنما في مزارع دجاج تُطعَم وتُسقَى وتُسمَّن بلا مهارات حياتية فلا هدف لها من حياتها غير أن تكون في نهاية المطاف لتلبية جشع الإنسان المادي وطمعه.
هذا الإنسان المادي المنغمس في ماديته، هو يعمل على مدار الساعة، زوجته موظفة، معلمة، طالبة جامعية، الخ... لا وقت لديهم لصيصانهم الذين أنجبوهم لأنهم جزء من المتعة المترتبة من الزواج ليصبحوا العرقولة أمام تقدمهم في العمل والتعليم والحياة، فكان لا بد لهذا الإنسان من ابتكار اختراع ينسجم مع حياته إنها "مفاقس الأطفال"، وباسمها الدارج حضانات الأطفال!!!
تقوم الأم بعد انتهاء مدة إجازة ولادتها، وهي ثلاثة أشهر، بإرسال الصوص الطفل إلى المفقسة الحضانة تبتسم له ابتسامة صفراء وهي أصلا لا تفكر به إنما تفكر كيف إنها تأخرت عن عملها وماذا سيقول لها مديرها؟ في المفقسة الحضانة يوجد كل شيء ينفع الصوص الطفل حتى يكبر: درجة حرارة ملائمة، أكل، شرب، شيء من الألعاب فالطفل لا بد أن يلعب، يسمن الطفل ويكبر لينتقل إلى مزرعة الدجاج، انه ألان في المدرسة والأم منشغلة لا وقت لديها لتجالسه وتضفي عليه من حنانها وتسمع مشاكله وآهاته ، ما يهمها هي وزوجها أن تكون شهادته الفصلية مشرّفه لان شهادته هي جزء من إشباع شهواتهم، شهوة التفاخر أمام الأقران في العمل، بالإضافة إلى "المتخلفين" من أمثالي الذين يطالبون بعودة المرأة إلى بيتها من جديد، أن انظروا إلى ابني المتفوق، وكيف ان لا تعارض بين عملنا وتفوق الأبناء وشهادة الولد أكبر دليل، فتراهم يغمرون الصوص الكبير بالدروس الخصوصية والدورات التعليمية في مرحلة مزارع الدجاج من حياة الصوص الطفل، يتعلم الصوص الكبير اللغة الانجليزية والموسيقى وغيرها، فهو يعزف على الكمان والبيانو ليقوم هذا المسكين بإشباع شهوة الأب والأم بالتفاخر أمام القرايب والحبايب، اسمعنا يا صوصنا الحبيب الأغنية بالانجليزية، واعزف لنا يا صوصنا الحبيب، فمسكين هذا الصوص قد تحوِّل وللأسف إلى مهرِّج يفرح قلب أباه وأمه والذين قد نفشا ريشهما زهوّا وفخراً... ونسيا أهم شيء ان صوصهما اللطيف "النغنوش" هو "إنسان" !!
هذا الطفل الذي ولد ليس مجرد شيء، انه كيان له مشاعر وأحاسيس، انه عالم كامل متكامل، يريد منك أيتها الأم الحب الحقيقي لا الابتسامة الصفراء، يريد منك أيها الأب أن تكون أباً وليس بنكاً، يريد منكم أن تجالسوه وتكلموه ، يريد حنانكم، فمعلمة الروضة هي في النهاية ليست أمه ولو حاولت جاهدة أن تعطي من حنانها فإنها ستقسّمه على عشرة أو عشرين أو أكثر من الصيصان الأطفال!! هذا الطفل عندما يكبر تكبر معه همومه ومشاكله وأشجانه وتجاربه يريد منكم أن تعلموه المهارات الحياتية، لا أظن أن معلم الرياضيات أو الانجليزي الخصوصي سيعطي ابنكم هذا الذي ينقصه الحنان، الأذن الصاغية، الأمان والاهتمام.
يكبر الصوص الطفل، ليصبح شاباً يافعاً في جيل المراهقة، وقلبه فارغ من الحنان والرحمة، فكيف له منهما وهو لم يكتسبهما من أحد، فكم الآباء والأمهات الاصطناعيين كانوا له، غير أبويه البيولوجيين، ينشئ متشتت الفكر ضائع حائر، لا يثق بأحد غير أصحابه الصيصان المساكين مثله، ثم يبدأ الوالدين وهما لا زالا بطريقة تفكيرهما المادية، يقوما بمحاولة تعويض مادي عن الحنان والمشاعر المفقودة الجامدة تجاه الأبناء، من خلال مشتريات استغرب منها لشباب بجيل الثانوية: ملابس باهظة الثمن، هواتف خلوية من آخر صيحة، تركتورونات والقائمة تطول، وصدقوني بأن لا شيء يرضي هؤلاء المساكين...
أخوتي أخواتي، نحن بحاجة إلى إعادة جدولة للأهداف التي تقوم عليها البيوت والأسر، نريد إعادة صياغة للأهداف والأولويات من حياتنا وأبناءنا.. فالواقع الحالي والأتي لا ينذر بخير... وأساس عملية التغيير يبدأ من الأسرة.
يتبع..
هناك 7 تعليقات:
حلو كثير يا خالي بارك الله فيك (لارين).
شكراً لك يا لارين والله يرضى عليك
روعة
سلام الله عليكم
استاذي ومعلمي كتبت حروفا لا شك بأنها درر تستحق ان تسطّر بماء من ذهب, لكن ماذا عن الظروف الاقتصاديه الصعبه والمتطلبات الكثيره التي تجبر الام على الخروج للعمل خاصه وان كانت تحمل شهاده تؤهلها لذلك؟!, وماذا عن الزوجه التي تخرج قهرا لتكسب الاجر للقمة العيش وزوجها خريج مقاهي متفوق, حيث ان هذا حال الكثير اليوم خاصه في باقة؟!!
بارك الله فيك وجزاك الجنه
المقال ما جاء الا ليعرض جانب مظلم لا احد يتكلم عنه ، مع معرفتنا لمدى كارثية الوضع برمته... ولكن نحاول كل مرة من خلال خواطر تسليط الضوء على جانب... ما عسانا نفعل والاسلام كمنهاج حياة مغيَّب عن حياتنا؟
من أب معظم الأولاد اليوم ؟
http://media.islamway.com/lessons/ishaq//347_Al7weny_AboAl3ial.rm
إرسال تعليق