24‏/12‏/2009

التربية للأمومة (3) : التعليم سلاح المرأة

التعليم سلاح المرأة

في مجتمع ظالم أهله، المرأة فيه ممتهنة لا قيمة لها ولا وزن، لا يحق لها ان تحمل نقوداً، عوضاً عن أن تتملك شيئاً، إن مات عنها ولي أمرها، قد تموت من الجوع، فلا أحد ينظر إليها، ضعيفة مهمّشة، تنتظر من العيد إلى العيد حتى العيد ليأتي محارمها لتقبض منهم "العيدية" لأن هذا هو المبلغ الوحيد الذي بإمكانها أن تتملكه خلال العام.. فهي غرضٌ من الأغراض.

المرأة مهمتها في هذا المجتمع أن تكون خادمة للرجل: الأب، الأخ، الزوج والابن، هم السادة، يتجبرون يأمرون وينهون وهي التي تحضِّر لهم الطعام وتأتي به حتى أقدامهم، تأتي بالماء تحمله على رأسها وقد قطعت به مسافات طويلة وقد ملأت الجرة الثقيلة من بئر بورين أو بئر باقة، ومنهن من تخرج للعمل في الحقول ومنذ نعومة أظافرها، والأب ينتظر الغلة ليأخذها منها ظلماً وعدوانا، و"يخلف عليه" أن سمح لها أن تتعلم حتى الصف الرابع لـ"تفك الخط"، المرأة التي كفل لها الشرع حقوقها ورعاها، عاشت مقهورة كيف لا وهي تعيش في كنف من أحكموا العادات والتقاليد حتى أصبح سلطانها أقوى من سلطان الكتاب والسنة، فلا ميراث يوزّع بالقسط، ولا عدل بين الأبناء والبنات، عدا عن أنها خسارة مادية لأبيها الذي بتفكيره هو يغذيها ويسمنها حتى تعطى زوجة إلى احدهم يوما ما.

على هذا عاش مجتمعنا قرون طويلة من الزمن، وقد نُحِّيَ شرع الله جانباً وطُبق شرع "عبد الله"، قوانين العيب فاقت قوانين الشرع الحنيف، مع تغليف قوانين العيب بشيء من المسحة الدينية، المرأة فيه ضعيفة لا وزن لها، حتى هبّت ريح سموم من الغرب، أن قم بنا نحرر المرأة من قيودها فإذا بالبناء الاجتماعي الذي بُني على قواعد هشّة قوامها العادات والتقاليد تنهار في وجه هذه الريح، فلا جد جدي قد تخيّل أن سيأتي اليوم تزاحم المرأة الرجل في ميادين العمل المختلفة؟ ولا أظنه تصوّر أن سيأتي اليوم الذي تسافر المرأة لوحدها خارج البلد وتبيت خارج البلد لا بل خارج البلاد، ولا أظنه تخيّل أن تصبح المرأة العاملة الموظفة المتعلمة هي المرأة ذات المستوى الاجتماعي الراقي وأصبح من العيب لا منقصة أن تجلس المرأة في بيتها، لقد انقلبت الموازين والمعايير فما كان منكراً يوماً ما أصبح اليوم معروفاً وعرفاً وعادةً!!

لقد هوجم المجتمع المسلم في وضع لم يكن مستعد للمقاومة، بمفاهيم دخيلة غريبة عليه، مفاهيم أُريد منها أهداف خفية غير الأهداف المعلنة من تحرير المرأة من الظلم الاجتماعي الذي كانت تحياه، ودعونا نعترف أنها كانت تحيى ظلماً اجتماعياً ولا شك، وقد عرضنا نبذة منه، ولكن الأعداء عندما جاءوا بأفكارهم وقد عرضوا الظلم الذي حل بالمرأة على أنه بسبب الدين الإسلامي، مع أن الدين كنظام يضبط حياة الناس منحّى جانباً منذ مئات السنين عن حياتهم ولا احد يأبه به، وأصبحت تضبط المجتمع المسلم موازين أخرى مبنية على العادات والتقاليد لا علاقة لها للشرع لا من قريب ولا من بعيد! فلو كان المجتمع المسلم محصّن بعقيدة راسخة وإيمان سليم ما هزته دعوات تحرير المرأة، لأنهم ما أرادوا من هذه الدعوات غير ضرب المجتمع المسلم بركنه الأساسي وهو المرأة، أخرجوا المرأة من بيتها لتنشغل بالتعليم والعمل عن مهمتها الأولى وهي التربية، يسعون بشكل مبرمج لكي تخلع المرأة المسلمة ثوب الحياء والحشمة الذي توارثته جيل عن جيل، "فلِمَ نساؤهم متسترات ونساؤنا عاريات ؟" هذا من غيظهم وحقدهم علينا، فلكم تغيظهم حشمة نساءنا؟ وما منع الحجاب بفرنسا عنا ببعيد!

لقد كان تعليم المرأة حتى الصف الرابع تفضُّلاً ومِنة، وهذا طبعاً خطأ ومرفوض، أما اليوم فمن يجرئ أن يُقعد أبنته في البيت من غير تعليم، مع ما في المدارس من مظاهر انحلال خلقي رهيبة؟ أصبحنا نربي بناتنا على مفهوم "التعليم سلاح المرأة" وأصبح هذا المفهوم من القوانين التي لها سلطان أقوى من الشرع، فأصلا الشرع منحّى جانباً ولا يلتفت إليه احد، فالمرأة عندما تنظر إلى الوراء تجد القهر والحرمان فكيف لها ان لا تتمسك بهذا القانون "التعليم سلاح المرأة"، فتربي الام ابنتها أن واجب عليك ان تتعلمي وتنهي تعليمك الثانوي والجامعي، ولا يهم إن تناقض هذا مع مفاهيم مؤصَّلة من الشريعة:

اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، فالبنت لا تفكر بالزواج مطلقاً لان لها اهداف أخرى غير الزواج على أجندتها تريد ان تتعلم حتى "الرمق الاخير"، فلا تتوقف لا عند اللقب الاول ولا الثاني.

تسافر لوحدها وتبيت لوحدها خارج البلدة أيضاً وبلا محرم، فالغاية تبرر الوسيلة وفق قوانينها وعُرفها، فالتعليم سلاح المرأة.

اختلاط النساء بالرجال وهو مرفوض شرعاً.

المهم هو ان تأخذ الشهادة لتتوظف. إن نافست المرأة الرجال، اختلطت بالرجال، فلا يهم،إن وضعت الشرع وقوانين السماء جانباً، فلا يهم، المهم أن تحقق ذاتها، أبناؤها تركتهم في مفاقس الأطفال، لا يهم، بلا حنان ولا رعاية، لا يهم... المهم أن تحقق المرأة ذاتها وتُثبت انها قادرة... ومعها الان المجتمع كله من وراءها يؤيدها ويآزرها ويقدم لها الدعم المطلوب، حتى أن أسهم المرأة المتعلمة الموظفة أصبحت غالية في "بورصة النساء"، فمن كانت ابنته متعلمة وموظفة ومثبّتة في عملها أصبح ثمنها غالٍ جداً لا يُقبل لها بأي عريس، وأصبحت المرأة التي نذرت نفسها لزوجها وأبناءها في قاع السلم الاجتماعي، مع أن الشرع وضع للمرأة مهمة واحدة أساسية : رعاية شؤون بيتها زوجها وأبناءها وما يأتي بعد ذلك لا يكون على حساب هذه المهمة، ولكن من ينظر اليوم إلى قوانين الشرع؟... بالله عليك!!

البنت الصغيرة تنشئ وينادى عليها "بالدكتورة"، جاءت الدكتورة وراحت الدكتورة، تنشأ وتُنشّأ على أنها دكتورة، وما ان تصل إلى الثانوية فمن البديهي أن تكون الكلية أو الجامعة استمرارية طبيعية لها، ومَن هذا الذي يجرؤ أن يقول خلاف ذلك، وهل أكون ناقصة؟ وشهادتي الثانوية التي تعبت لأجلها "إتروح مني عَ الفاضي"؟ وستقول نفس الجملة "إتروح مني شهادتي الجامعية عَ الفاضي؟" ...أما الشرع فلا أحد يسأل به ولا عنه!!

أنا ادع ، وبوضوح، الى ان نعود الى الوراء !! ولكن أي وراءٍ هذا؟ ليس الذي هو قبل خمسون ومائة سنة، الامة الاسلامية تعيش في حالة من التيه والضياع والبعد عن تعاليم الشره منذ قرون نحن نريد ان نرجع الى الوراء بعيداً الى تعاليم جيل النصر والتمكين ... إنه جيل الصحابة!! نحن بحاجة إلى إعادة النظر في أولويات تربيتنا لبناتنا وماذا نريد منهن،ومن نرضي ربنا وشرع ربنا أم شرع العادات والتقاليد التي تتغير بتغير الزمان والمكان؟ هل نريد منهن ان يكن أمهات المستقبل من يعددن الجيل القادم جيل النصر والتمكين أم نريد منهن ان يكن موظفات المستقبل؟

يتبع

هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم
بارك الله فيك - ابا يوسف -
هذه الكلمات كالمطر الذي يحمل خيرا كثيرا ..
أسأل الله أن يجد ارضا خصبة تقبل هذا الخير ..
سدد الله نواياك وخطاك
وبانتظار مقالك الذي "يتبع" ..

ابو يوسف الكتاني يقول...

وفيكم بارك الله
"أسأل الله أن يجد ارضا خصبة تقبل هذا الخير ..
سدد الله نواياك وخطاك "
آمين
وبانتظار مقالك الذي "يتبع" ..
نسأل الله العون والسداد

فكرة يقول...

ابنتي على وشك القدوم للعالم .. وأنا لا أعلم حتى الآن كيف علي أن أرتب حياتي لأستقبالها ..
أشعر أنني غصت في دوامة الحياة والعمل لدرجة أنني لم أعد قادرة على الخروج منها ...
والله يعلم أن جزءا من هذه الظروف يفرض علينا فرضا ...
ملاحظة أخرى ...
أعتقد أن المقال لم يتطرق لنقاط هامة كثيرة ... المرأة بدأت تقود المجتمع من عنقه نحو ما نجهل ...
لقد أصبحت جزءا فعالا ومسيطرا لدرجة لن نعود قادرين على الوقوف بوجهها ..
هناك ما يسمى بعودة العصر الأمومي للعالم .. وفي غضون أقل من قرن .. ستسيطر المرأة سيطرة كاملة على العالم والاقتصاد والسياسة ... هذا ما يتوقعه الكثيرون !!!



أنا دائما أتساءل ... هل ستكون ابنتي مثلي .. هل ستدرس وتعمل .... الخ... ؟

لا أعلم !
حقا لا أعلم

ابو يوسف الكتاني يقول...

"ابنتي على وشك القدوم للعالم .. وأنا لا أعلم حتى الآن كيف علي أن أرتب حياتي لأستقبالها ..
أشعر أنني غصت في دوامة الحياة والعمل لدرجة أنني لم أعد قادرة على الخروج منها ..."
****
كلنا في الهم سواء...
ان العلاج لا بد ان يمر بثلاث مراحل :
1.تشخيص المرض - والمقالات محاولة لتشخيص المرض
2. الاعتراف بالمرض.. وهي خطوة مهمة جداً للعلاج بدونها لا علاج ولا شفاء
3. شرب الدواء المر ليأتي بعده الشفاء...
يبقى السؤال هل نحن مستعدون لشرب الدواء؟؟؟
:::::
"أعتقد أن المقال لم يتطرق لنقاط هامة كثيرة ... المرأة بدأت تقود المجتمع من عنقه نحو ما نجهل ...
لقد أصبحت جزءا فعالا ومسيطرا لدرجة لن نعود قادرين على الوقوف بوجهها .."
****
الحقيقة ان السفينة قد اخترقت من عدة خروق نحاول ان نغطي هذه الخروق واحداً واحداً ... هناك الكثير من النقاط غفلنا عنها بتنبيهكم لنا سنتطرق اليها ساعدونا انتم ايضاً
::::
"أنا دائما أتساءل ... هل ستكون ابنتي مثلي .. هل ستدرس وتعمل .... الخ... ؟"
***
انا لطالما اقول ... نحن لربما "راحت علينا" الامل باجيال المستقبل ..الامل بالابناء ... نحن توصلنا للحقيقة بجيل متقدم ارجو ان نرشد ابناءنا كي لا يلفوا ويدوروا كما فعلنا نحن .. نريد الخروج من هذه الحلقة المفرغة التي دخلتها امتنا ومجتمعنا...

مسلمة موحدة يقول...

السلام عليكم
لا أنكر أن ما كتبت قد أغاظني للوهلة الأولى، ليس لأني أبرئ نفسي من الخطأ، ولكن لأني شعرت أني في دائرة اتهام توجهها للنساء في مقالك. لكن، بعد إعادة أوراقي ومراجعة نفسي وجدتها تتطابق مع آمالك "البسيطة" التي ترجوها في امرأة الغد، فرغم كوني امرأة عاملة ومغتربة إلا أني أرى أن في النهاية ليس للمرأة سوى بيتها وأبناءها مع ما تقدمه لمجتمعها فيما يتبقى من وقتها.
المشكلة ليست فقط فينا نحن النساء أو فتيات اليوم بل هي مشكلة مجتمع بأسره، فلننظر لشباب اليوم وطلباتهم فيمن يريدونهن زوجات المستقبل! إن لم يكن متعلما فإنه يرجو على الأقل أن تكون ذات جمال، وان كان متعلما فإنه يرجو أن تكون ذات جمال وشهادة ومنصب! لربما تطورت طلباتهم مع تطور وضع المرأة في المجتمع مستقبلا!
ملاحظة أخيرة، ربما نطمح أن نكون كالصحابيات ونساء التابعين لكن لا يمكن عودة التاريح إلى ذلك الزمان، فأهلنا ليسوا بصحابة ولم يجالسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، وبالنسبة إليّ لولا الخروج من البيت والتوجه للتعليم لما قرأت هذه الكلمات اليوم ولما علمت عن دين الله عزّ وجلّ ما أعلمه اليوم بل لربما كان حالي أسوأ والله أعلم. لذلك هناك طريق أمامنا لا بد من بنائه نعتمد فيه على تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما وصلنا إليه اليوم في مجتمعنا وعالمنا.
أعتذر عن الإطالة وبارك الله فيك على هذا المقال.

ابو يوسف الكتاني يقول...

الاخت مسلمة موحدة
وعليكم السلام
"إلا أني أرى أن في النهاية ليس للمرأة سوى بيتها وأبناءها مع ما تقدمه لمجتمعها فيما يتبقى من وقتها."
نقطة وسطر جديد وتحته خط!
:::::
"لمشكلة ليست فقط فينا نحن النساء أو فتيات اليوم بل هي مشكلة مجتمع بأسره،"
100%
احاول ومن خلالكم ومن تعقيباتكم وتفاعلكم ان نحيط باكبر مساحة من تشخيص الداء
::::::
" فلننظر لشباب اليوم وطلباتهم فيمن يريدونهن زوجات المستقبل! "
وهذا من المواضيع التي سنتطرق اليها لا حقاً
::::::
"لا يمكن عودة التاريح إلى ذلك الزمان، فأهلنا ليسوا بصحابة ولم يجالسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا،"
لا بل سيعود التاريخ يوما ما الى ذلك الزمان وهو بشهادة المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم .. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ... بدء الدين غؤيبا وسيعود غريبا كما بدء.. والخ من الاحاديث
المسالة عندي يقينية وفقط ما دوري انا وانتم بهذا سياتي يوم وتكون عودة السؤال هل سيكون لي نصيب بها او لا .. نصيب قليل أو كثير .. اهم شيء ان يكون لي نصيب...
:::::
"وبالنسبة إليّ لولا الخروج من البيت والتوجه للتعليم لما قرأت هذه الكلمات اليوم ولما علمت عن دين الله عزّ وجلّ ما أعلمه اليوم بل لربما كان حالي أسوأ والله أعلم. لذلك هناك طريق أمامنا لا بد من بنائه نعتمد فيه على تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما وصلنا إليه اليوم في مجتمعنا وعالمنا."
انا اقول لك انه ليس لولا التعليم اقول لك لولا الله ومن ثم ****** اكتبي ما شئت وقولي بعدها ما شئت فكل كان عنده الاسباب للفهم الصحيح ولكن بالنهاية السبب الحقيقي هو الله ... الله هو الذي فهمنا وعلمنا ولولاه لما علمنا .. ولما فهمنا ... هذا من صلب عقيدتنا.. احمدي ربك ان هيئ الله لك الاسباب ولا تعتمدي على الاسباب انما على مسبب الاسباب فقد يكون عند غيرك ممن لم يتعلم اسابه ايضا وقد يكون ممن تعلم له اسباب الضلال والعياذ بالله...
وبارك الله فيك على اثراء الموضوع... 

عابر سبيل يقول...

السلام عليكم

من أبرز القواعد التي تشكل الطروحات الحديثة في التربية الاسلامية قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :" لا تربوا أبناءكم على عادتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" و بقدر ما يعكسه القول من فقه الواقع و التماهي مع روح العصر و النظرة التجديدية التي توافق بين جوهر الاسلام و تطورات الزمان و نبذ لعادة "إنا وجدنا آباءنا على أمة" ، الا ان المربين قد أساءوا فهمه و تطبيقه فأصبحنا آباءً و أمهات نحاول توفير كل وسائل الراحة و التسلية و التعليم الأجنبي و النوادي و كل وسائل التقنية لابنائنا حتى لا يكونوا شواذا عن أبناء عصرهم دون أن يترافق هذا العطاء المادي السخي في توفير الوسائل و المرافق مع منهجية تربوية بعين على المدخلات و عين ٍ على النهاية تفكر دائما ماذا سيكون ابني و ابنتي عندما يكبرون بنظرة تتعدى ما كان عليه آباؤنا الذين أنفقوا الغالي و الرخيص و كان أقصى طموحاتهم أن يكون أولادهم آطباء أو مهندسين .

إن الأحداث و المنعطفات الخطيرة التي تمر بها الأمة تلزم الأمَّ ،و هي المحضن الأول المسؤول عن تربية الأولاد، أن تعي خطورة دورها في تربية الجيل الذي قد يحقق النصر أو يأتي بالهزيمة، هذا الجيل يحتاج جيلا من الأمهات كالخنساء أو بأضعف الإيمان كأم عبد الله الصغير التي لم تعدم قولة حق تزيد بها الطامة و التجريم على رأس ابنها بعد سقوط الأندلس قائلة: "ابك مثل النساء مُلكا مُضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال"
و ما بين هذين النموذجين يعول على الأمِّ أن تربي القادة و الجنود و العلماء أو تفسد فتنتج أشباه الرجال، رجال يولدون و يموتون دون أن يزيدوا شيئا في قيمة الأمة ان لم يكونوا سببا في انتكاسها، و قد وعى فلاسفة الغرب خطورة دور المرأة في التربية فقال أحدهم" اذا أردت جيلا عظيما فعليك بتربية المرأة لانها هي التي تصنع العظماء"، وقال الشاعر امرسون عن تعريف الحضارة "هي نفوذ النساء الطيبات" و الطيبة هنا لا تعنى السذاجة أو البلاهة و ترك الأمور للتياسير، فنفوذ الطيبة يعني توجيه الجهود و الأخذ بالأسباب برؤية مستقبلية لتحقيق النفع و الخير للآخرين .
و في مرحلة التخبط و الاستيراد الأعمى للنظريات النسوية و الجندرة في بلادنا أصبح دور الأم في تربية أبنائها ظلما لحقوقها و تحقيرا لشخصيتها و استصغارا لقدراتها بينما عاد الغرب في كثير من دوله بعدما ذاق مرارة انعدام التربية للاعلاء من شأن الأمومة و وظائفها حيث تحتفي برامجهم الاعلامية بالأم على أنها أعظم الموظفات الماهرات بدوام متصل على مدى أربع و عشرين ساعة سبعة أيام في الأسبوع "a mother 247“ و تتوالد البرامج لمربيات محترفات يعلمن الأمهات كيفية التواصل مع أبنائهن و تنمية مواهبهن و السيطرة على الغضب و العناد...الخ و لو لم تكن التربية من الأهمية بمكان لكان أولى بالدول المتقدمة التي تنادي بحرية الفكر و الممارسة و التفرد أن لا تلقي لها بالا .

لذا قيل إن الحروب و الانتصارات تدور في قلوب الأمهات قبل أن تدور على جبهات القتال، ما بين أمومة الأم و أمومة الوطن و الدين و الفكرة
كنا نريد أن نربي أبناءنا لزمان غير زماننا فإذا بزمانهم يأتي أكثر قتامة و ظلاما و تحديا على مستوى الأمة ..
فإذا أردنا أن تتماشى التربية مع روح العصر فعلى الآباء و الأمهات أن يتسلحوا بإدراك رسالية التربية بحيث يكون من وراء العطاء و المنع هدف يدركه الأولاد، و من وراء التعليم و تنمية المواهب توظيف لخدمة هدف سامٍ ، ان نعمة الوجود في كنف أسرة يستوجب بالضرورة شعورا بأسرة كبرى فقد أعضاؤها أمهاتهم و آباءهم و أخوتهم لتصبح الكفالة واجبا وجدانيا و حالة اجتماعية و ليس فقط مادية فجروح الآخرين لا تداوى بفتح الجيب فحسب و لكن بفتح القلب و صدق الحبيب صلى الله عليه و سلم اذ قال : " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم و لكن يسعهم منكم بسط الوجه و حسن الخلق "و هذا الفهم الأسري الشامل و المجتمع و الأمة الحميمة و التعاضد و اللُحمة لا يزرعها في الأسرة الا الأمّ
لقد أدركت الأمم و الحضارات من قبلنا دور النساء في صناعة النصر فوصف العماد الأصفهاني دور نساء الأفرنج في صناعة النصر قائلا" و في الأفرنج نساء فوارس لهن دروع و قوانس يبرزن في حومة القتال و يستبسلن و كل هذا يعتقدنه عبادة و يجعلنه لهن عبادة" فمعركة المرأة الحقيقية هي في تربية الجيل فإذا فتحت المرأة الثغور تسلل الوهن و الأعداء فتؤتى الأمة من قبل النساء.

عابر سبيل يقول...

في حوار مع الجزيرة نت
مؤلفة مبدأ حواء تدعو الألمانيات لتفضيل الأسرة على الوظيفة


وفي هذا الكتاب -الذي أحدث دويا قويا داخل المجتمع الألماني وأثار نقاشات صاخبة بين مؤيدي ومعارضي أفكاره، اعتبرت هيرمان أن أفكار الحركة النسوية المعاصرة هي أكذوبة كبيرة سلبت النساء أنوثتهن.

ودعت المؤلفة النساء إلى الفخر بمهمتهن التي كلفهن الله بها كأمهات وربات منازل، وأشارت إلى صعوبة وتعارض امتهان المرأة وظيفة وقيامها في نفس الوقت بتربية أطفالها بشكل مناسب.

الجزيرة نت التقت المذيعة :

الجزيرة نت: كيف تقيمين الصدى المجتمعي للأفكار التي طرحتيها بالكتاب والنقاش المتواصل حولها، وهل تعتقدين أن المجتمع الألماني سيتقبل هذه الأفكار ويطبقها خلال العشرين عاما القادمة مثلا؟

- هذا الكتاب يناقش قضايا تتعلق بمستقبلنا ويتحدث عن تصورات وتقاليد موجودة بالمجتمع الألماني وعن كيفية تفكير هذا المجتمع، وعندما كتبته توقعت أنه سيحرك كثيرا من المياه الراكدة ويهز رؤى باتت أشبه بالمسلّمات ويثير نقاشا ساخنا.

ومبدأ حواء يطرح المشكلات الحادة الموجودة في أعماق المجتمع، ويتعرض لها ويناقشها بشفافية ووضوح من خلال أسر كثيرة تحدثت في الكتاب عن مشكلاتها وتجاربها بصراحة وجرأة غير معهودة على الرأي العام.

الجزيرة نت:هل الكتاب دعوة أو محاولة لإعادة التوازن لمعدلات النمو السكاني الآخذة في التراجع بصورة حادة في ألمانيا؟

- لا، لم يكن هدفي من تأليف الكتاب هو معالجة مشكلة الاختلال السكاني أو الدعوة لزيادة معدلات الإنجاب وإنما تنبيه المواطنين وإيقاظ مشاعرهم إلى أن إنجاب الأطفال يعتبر أمنية مفضلة لذاتها وشيئا محببا، ليس لإنقاذ المجتمع الآخذ في الشيخوخة أو لأسباب نفعية وحسابات عملية مجردة، وإنما لأن الأطفال كائنات لطيفة وجميلة ومصدر سعادتنا وإثراء حياتنا.

كما أردت أيضا أن أوصل للنساء الألمانيات رسالة مفادها أن من تفكر في تأجيل الإنجاب إلى مرحلة عمرية متأخرة من حياتها، لحين الانتهاء من تحقيق تقدم ونجاح وظيفي، فإنها ربما تكون قد ضيعت فرصتها الطبيعية في الإنجاب وتكوين أسرة.

الجزيرة نت: بعض نقاد كتابك يقولون إنك طرحت هذه الأفكار فيه بعد وصول شهرتك ونجوميتك القمة، وإنه لم يكن ممكنا أن تتبني مثل هذه الأفكار قبل أن تصلي إلى ما وصلت إليه، فهل لو دارت عجلة الزمن بك عشرين عاما إلى الوراء كنت ستقولين نفس الكلام الوارد في مبدأ حواء؟

- لا، لقد أصدرت هذا الكتاب الآن لأن أفكاري التي طرحتها فيه أصبحت ناضجة فقط في المرحلة الحالية من عمري، وقبل عشرين عاما لم تكن لدي مثل هذه الأفكار، ووقتها كانت الرغبة في إنجاب الأطفال موجودة عندي لكنها كانت فكرة مؤجلة، لأن أهدافي المستقبلية كانت تنحصر آنذاك فقط في التركيز على المجد والنجاح الوظيفي من خلال عملي كمذيعة في التلفاز.

والحمد لله ولحسن الحظ فقد أنجبت طفلا لكن في سن متأخرة، وليس بمقدوري إعادة عقارب الساعة إلى الوراء مرة أخرى ولو كان هذا ممكنا فأنا متأكدة أنني كنت سأختار لحياتي ولأسرتي شيئا مختلفا عما أخترته في السابق، والأفكار الواردة في الكتاب لا تتعلق بي وإنما بشريحة عريضة من النساء اللاتي عايشن ويعشن نفس ما مررت أنا به.

وأنا الآن أريد أن أحفز النساء والأسر في ألمانيا على الاهتمام بوضع خطط حياتية، وأن ينجبوا الأطفال في سن مبكرة وعدم تأجيل هذا أو تسويفه إلى أن يحققن نجاحهن الوظيفي بمرحلة متأخرة لا يعلمن متى ستأتي، وأتمنى أن أشجع بكتابي الشابات الصغيرات على تبني خيار الأسرة والأمومة على ما عداه من الخيارات.

وخلال إحدى الندوات التي أقيمت لمناقشة كتابي سمعت شابة ألمانية لا تتعدى السادسة عشر عاما، أبوها كاتب وممثل مشهور، تقول إن الزواج وتكوين الأسرة وإنجاب ثلاثة أطفال هو هدفها في الحياة وهو أيضا نفس هدف صديقاتها، وقد أسعدني سماع هذا الكلام وأعتقد أن هذه الشابة وصديقاتها هن مثال يعبر عن تيار من النساء موجود في مجتمعنا.

الجزيرة نت: عندما عرضنا مبدأ حواء في الجزيرة نت اعتبر الكثيرون من زوار موقعنا أن هناك تشابها كبيرا بين أفكارك الواردة بالكتاب وبين التصور الإسلامي للأسرة ودور المرأة في المجتمع. ما هو تعليقك على هذا؟

- إذا نظرنا إلى هذه القضية نظرة مجردة بعيدا عن رؤى الأديان لها، فأنا أعتقد أن الدور والمهمة التي أوجد الخالق المرأة من أجلها هي تكوين أسرة وأن تصبح أما، وأرى أيضا أن بحث الناس عن السعادة من خلال تكوين الأسرة والتكاثر هو قاسم مشترك بين جميع الأديان سواء كان الإسلام أو غيره، وهذا في حد ذاته شيء بديهي وجميل في آن.

الجزيرة نت: في النهاية أردت أن أنقل إليك أن عددا من زوار الجزيرة نت تمنوا في تعليقاتهم على الكتاب أن تعتنق مؤلفته الدين الإسلامي.

- (تضحك) شكرا كثيرا.
(منقول بتصرف)

ابو يوسف الكتاني يقول...

اخي عابر سبيل
اشكر لك تفضلك بهذه الاسهامة الرائعة للموضوع ...