26‏/05‏/2009

يا فرحتنا.... الولد صار دكتور... ولكنه.... غشّاش !!

بالامس سُنحت لي الفرصة، والتي تُسنح لي بين الفينة والاخرى، ان اضطلع، رغماً عني، الى زاوية أخرى من زوايا مجتمعنا الآسن.
لربما منكم الذي ذاق تشخيصاً خاطئاً مستهتراً لطبيب، أو رأى ابنه يتلوى بين يدي ممرضة لا تدري كيف تضع الابرة لابنك الصغير لتسحب الدم للفحوصات المخبرية أو لمهندس خطط لك بيتك "على الشقلوب" أو لمعلم أو معلمة همهما عد الساعات ولا هم لهم باجيال المستقبل ان سُحقت، أو محاسب يروج للسرقة أو... أو.... القائمة طويلة من الغشاشين والغشاشات... الاحياء منهم والاموات...
اتساءل كيف وصل الحال بهم الى هذه الهاوية وهذا الدرك الاسفل من القيم البشرية؟.... ان يصبح المرءُ غشاشاً.. اظنه تربى على الغش واصبح الغش عنده ثقافة متأصلة لدرجة تجري معه مع روحه ودماءه...
"ان لم تغش لن تنجح ولن تصير أي شيء! فقط بالغش ينجح الانسان يا صغيري!!"، هل تعجبون ان يقول اب أو ام لابنه أو ابنته مثل هذه الجملة؟ يا اخوة، هناك لسان حال و هناك لسان مقال... لسان المقال ما يتفوه به الانسان، الاب أو الام في حالتنا هذه، من تعليمات وتوجيهات، اما لسان الحال فهو الابلغ عبرة وأثراً في النفوس، وذلك من خلال التصرفات والافعال...
تخيلوا، ان يقوم اب، وهو أبٌ ذو خبرة وباع طويلٍ في مجال "التربية " والتعليم بحل الامتحان لابنه، المسكين، وعلى الهاتف وابنه في قاعة الامتحان، بالله عليكم تخيلوا هذا... أي قيم نقلها هذا الاب لابنه ... هذا الولد يوما ما سيصبح طبيبا او مهندسا أو معلماً او محاسباً... ولكنه غشاش !!
تخيلوا اباء وامهات يتوجهون للمعلمين والمعلمات مستجدين "زبطلنا الولد"، وأي تزبيط ينفع مع ولدكم الفاشل لذي حصل "يا دوب" على علامة 20 ... بدعوى نريد ان نُعلِّم الولد...
في مجتماعات اخرى يتباهون بصناعة الهاي تيك وعندنا نتباهى بصناعة الغش صناعة اسمها "صناعة حل امتحانات البجروت" ولكل نموذج (الطوفس) تسعيرته حسب صعوبته ومدى سقوط الطلاب به، اذا اردت النجاح، حرِّك يدك الى جيبك واخرجها سوداء بـ500 شيكل وعندك نموذج محلول وجاهز وما عليك الا تدبير مؤامرة لادخاله الى المدرسة... الغريب ان من يقوم بهذه الصناعة اناس متشدقون بالمبادئ والمثل العليا والقيم، ولهم نظرياتهم التربوية...هُم منافقون ... دجاجلة!!
المهم... وفقط المهم... ان يأخذ الولد، فلذة الكبد، دلوع البابا والماما بجروت كامل (شليم)...فرومانيا وبلغاريا ...موجودة ولم تغمرها مياه البحر بعد... لا يوجد فيها بسيخومتري ولا يوجد عندهم علامات بونوس، والمحاضرون، وان شئت ايضا ادارة الجامعة، تستطيع شراءهم بحفنة دولارات...
فهذا الولد، ايضاً، يوما ما سيصبح طبيباً او مهندساً أو معلماً او محاسباً... ولكنه غشاش !!
سيعالج ابنك ويكتب له وصفة خاطئة... لأنه ... غشاش!!
سيقلع لك طاحونة العقل ويبقي جزءاً منها في في فكك.. لتلتهب بداخله ... وانت بعدها ستتلوى الماً لأنه غشاش ... أصله غشاش!! ولربما كنت انت يوما ما غشاش او اعطيت الغش شرعية ومصداقية!!
سيخطط لك بيتك ويطلع "امسوجك" لأنه غشاش!!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشَّ فليس منَّا"، انتبهوا قال "من غش" أي غش لا يهم شكله ولا لونه، "فليس منا" الـ"نا" هنا الدالة على الجماعة والمقصود فيها المسلمين أي ان كنت غشاشاً فانت تضع اسلامك ودينك موضع تضعضع، في احسن الاحوال.
ايها المنادون برفع مستوانا كأقلية في هذه البلاد، توقفوا، لا نريد هذه الرفعة بالغش، نريد ارقاما حقيقة... لا مزورة... فالذي خبُث يذهب جفاء والذي ينفع الناس يمكث في الارض...
بالامس كان امتحان رياضيات بجروت (توجيهي)، ادخلوني كمراقب على صف، والله انهم مساكين تقطّع قلبي عليهم، هم معتادون على مراقبين غشاشين،واحسن المراقبين حالاً الذين يزيِّنون الغش بدوافع وطنية بكلام مثل رفع مستوى تعليم الاقلية العربية وما الى ذلك ، كان عندي ان لا فرق بين ان اراقب على امتحان بجروت وان اراقب على امتحان فصلي، فإن ما يسيِّرني هو محض مبادئي، لا الاهواء ولا المشاعر ولا الاحاسيس المعرَّضة جميعها للتقلب ... النتيجة ان خمسة من الصف تقدموا للامتحان من اصل 20 طالب، تقريباً، والباقي انسحب، أي الغى امتحانه ،ان الخمسة الباقين اظنهم لم يعتمدوا على الغش كوسيلة، واذا جيز لي ان أعمم من هذه الحالة الخاصة، لوجدنا ان هذه هي النسبة الصحيحة للغشاشين في مجتمعنا 15 من 20 ، أي 75% واظن اني متواضع جداً في تقديري هذا !!

المطلوب اعادة ترتيب اوراقنا من جديد، وصياغة اولوياتنا من جديد... هي دعوة صريحة للتفكير ..........

ليست هناك تعليقات: