يوم الجمعة الماضي، كنا على موعد مع رحلة عبر الزمن، بدون مركبة انتقال عبر الزمن، وبدون عصا سحرية، كنا في ضيافة اخ كريم عزيز، ابو أحمد، الأستاذ معين ابو الهيجا، ابن عين حوض البار حفيد الحاج محمد محمود ابو الهيجا، ابو حلمي، الذي انتقل من بلده عين حوض التراث والارث، الى عين حوض الصمود والاباء..
عين حوض بسكانها شيوخها، شبابها، رجالها، نساءها واطفالها، هي ولا شك رمز، رمز للصمود والتحدي والإباء كما هي رمز للنكبة وما أعظمها من نكبة وما أشدَّ مرارتها، عندما تُستبدل في أرضك ودارك بغيرك..
منظر يخطف الابصار من بيت ابو احمد يطل على البحر
عين حوض قرية عربية، مسلمون أهلها، من قرى الكرمل المهجّرة عام 1948، على بعد 15 كم الى الجنوب من مدينة حيفا، كان عدد سكانها قبل النكبة يربو على الالف نسمة، كلهم من عائلة واحدة وهي عائلة ابو الهيجاء الذين يعودون في جذورهم الى القائد حسام الدين ابو الهيجاء، أحد القادة الذين رافقوا صلاح الدين الايوبي، هُجِّر أهلها قصراً عنهم، وكيف لهم ان لا يهربوا وقد سمعوا عن جيرانهم في الطنطورة وقد فُعل بهم الافاعيل واخوانهم في عين غزال الذين نزلت على رؤوسهم حمم ملتهبة من طائرات الشر وسفن الشر ومدافع الشر، كيف لهم وهم البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة ان لا يحملوا متاعهم على ظهورهم ويتركوا الدار والديار، وينتشروا في سقاع الارض وبقاعها، ومن هؤلاء الحاج ابو حلمي، الذي انتقل بأهله وعياله إلى التلة المقابلة لبلده حيث ارضه، أقام بيته هناك وصمد وصبر وتعاهد أبناؤه وأحفاده على الصبر والثبات والمطالبة بالحق ليس تفضلاً ولا منَّة ولا فضلاً من أحد، فهم أصحاب الدار والديار وليس الغرباء الذين أتوا من وراء البحار.
تجولنا في قرية عين حوض الـ48 ، واعتصر القلب ألماً، وما أشده من ألم وانت تسمع من أبي أحمد "ان هذا بيت جدي الذي وُلد فيه أبي" وقد سكنه الغرباء وهذا مسجد القرية ، فبعد ان كان يُسمع على سطحه الاذان خمس مرات في اليوم اصبح اليوم تُسمع في جنباته رنات كؤوس الخمر وقد اضحى خمّارة ويا حسرة على العباد، ولا حول ولا قوة الا بالله، لقد ابقى المحتلون البلد كما هي وحولها الى "قرية للفنانين" لينعموا بجمال الكرمل الساحر الاخّاذ.
هذا البيت كان لأحدهم يوما ما اليوم هو عيادة "كوبات حوليم"
جُبنا في اطراف القرية، انها قرية توقفت بها الحياة تماماً، فهي كما لو كانت متحف طبيعي يخلّد ذكرى اناس عاشوا فيها قبل حين من الدهر، ببيوتها وبيادرها وشوارعها وازقتها، بيوتها الجميلة التي تدل على مستوى معيشي عالي لأهلها وقد كانوا يعلمون موظفين وعمال وتجار في مدينة حيفا،
شارع من عام 1948 كما هو
لا وجود للغة العربية في عين حوض العربية
بيوت عين حوض مصنوعة من حجر "قسم" من النوع الفاخر تدل على مستوى معيشي راقي
وهؤلاء وابناؤهم واحفادهم ان أتوها اليوم يأتونها زائرين، لا حق لهم فيها، ولكن ابا احمد علّمنا كيف ينبغي لنا ان نكون نحن الاصل واصحاب الحق وكيف ينبغي ان ننظر الى سكانها وروادها اليوم الذين حلوا محل اصحاب الحق، على انهم هم الاغراب لا نحن!!
لطالما تردد في ذهني وعلى لساني قول الله تعالى :" كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ " (الدخان 25-28) وانا اطوف شوارع القرية ، (كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) ينبغي السؤال لم ورثها قوم آخرون؟
اننا والله اليوم لسنا بأكرم على الله من اهل عين حوض الـ48، فلسنا بأفضل حالا منهم، فوالله ما ضاعت الديار الا عندما هُنَّا على الله واصبحنا بلا قيمة في عين الله، فلأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم مسلم، وقد أريقت دماء المسلمين وطردوا وشردوا، فكيف هذا الهوان؟؟ ان الله منزّه عن كل عيب أو نقص فالعيب كل العيب فينا نحن..
يوم ان تركت الامة سرَّ خيريتها ، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، هُنّا على الله، قال تعالى:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران110). عندما تركت الامة النفير في سبيل الله ، وتشبثت بالحياة الدنيا واثّاقلت الى الارض، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (التوبة 38-39)،
ان أكثر ما ابتليت به الامة هو فتنة المال والنساء، وقد سقطت بالامتحان فسقطت الأمة من عين الله فاستحقت العذاب الأليم (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) وهل اشد إيلاماً من ان يستبدلك الله في ارضك وديارك ودارك (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وانت تنتمي لخير امة، تنتمي لأمة عزيزة ، ويستبدلك الله بالمغضوب عليهم!!! وهل هناك اعظم ذلاً من هذا...
نحن لسنا اليوم بأكرم على الله من اجدادنا، طالما لم نحقق سر الخيرية، ولم ننفر في سبيل الله بانفسنا واموالنا واوقاتنا وجهودنا لنشر هذا الدين علما وعملا وتطبيقا وتحكيما فيما شجر بيننا ونسلم تسليما لأوامر هذا الدين، قال تعالى:" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " (النساء 65)
هناك 3 تعليقات:
بسم الله
بارك الله فيك ونفع بك ورزقنا واياك الاخلاص ونفع الناس.
عندما تكتب الكلمات من القلب تصل الى القلب. فكأنما كنت اسير معك في ازقة القرية واشم عطر عبيرها الاخاذ. وزبدة الكلام اخره, اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
ابو محمد المقدسي
وتصديقا ً لكلامك الطيب انقل هذا الكلام:
وضع نتانياهو أمام المبعوث الأمريكي جورج ميتشل شرطا ً جديدا ً وهو إعتراف المفاوضين الفلسطينيين بدولة "أسرائيل"
دولة يهودية، وهذا يعني أن قادة العدو بدأوا بالتحضير لطرد أهل البلاد الأصليين من ديارهم (ما يسمى عرب 48) .... أي أن خطة الترانسفير التي تحدث عنها الكثيرون أصبحت قيد التنفيذ لدى الجيل الجديد من حكام اليهود، وأن المسألة مسألة وقت ومسألة ظروف سانحة تأتي في المستقبل المنظور... والله تعالى أعلم فنسأله أن يلطف بنا بما قضى وقدر ونسأله أن يمكن للمسلمين في الأرض قبل ذلك ليكونوا لنا عزا ..
بارك الله فيك اخي بالله ابو يوسف وجزاك الله كل خير وثبتك على طريق الهدى ونفع بك الامة قدما والى الامام
إرسال تعليق